فصل: تفسير الآية رقم (177):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَلاَ يَحْزُنكَ الذين} قرأ نافع {يُحزنك}- بضم حرف المضارعة- من أحزن- رباعيًا- في سائر القرآن إلا التي في قوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] فإنه كالجماعة. والباقون بفتح الباء- من حزنه ثلاثيًا- فقيل: هما من باب ما جاء فيه فَعَل وأفْعَل بمعنى.
وقيل: باختلاف معنى، فَحَزَنَه: جَعَل فيه حُزْناَ- نحو: دهنه وكحله، أي: جعل فيه دهنًا وكحلًا- وأحزنته: إذا جعلته حزينًا. ومثل حَزَنَه وأحْزَنَه فَتَنَه وأفتَنَه، قال سيبويه: وقال بعضُ العربِ: أحزنت له الحُزْن، وأحزنته: عرَّضته للحُزْن. قاله أبو البقاء وقد تقدم اشتقاق هذه اللفظة في البقرة.
قال شهابُ الدينِ: والحق أن حزنه لغتان فاشيتان، لثبوتهما متواترتين- وإن كان أبو البقاء قال: إن أحزن لغة قليلة، ومن عجيب ما اتفق أن نافعًا- رحمه الله- يقرأ هذه المادة من أحزن إلا التي في الأنبياء- كما تقدم- وأن شيخه أبا جعفر يزيد بن القعقاع يقرأها من حزنه- ثلاثيًا- إلا التي في الأنبياء، وهذا من الجمع بين اللغتين، والقراءة سنة مُتَّبَعَة.
وقرأ الجماعة: {يسارعون} بالفتح والإمالة، وقرأ النحوي {يسرعون}- من أسرع- في جميع القرآن، قال ابن عطيةَ: وقراءة الجماعة أبلغ؛ لأن مَنْ يسارع غيرَه أشد اجتهادًا من الذي يُسرع وحده.
قوله: {إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} في نصب {شيئًا} وَجْهَانِ:
أحدهما: أنه مصدر، أي: لا يضرونه شيئًا من الضرر.
الثاني: أنه منصوب على إسقاط الخافض، أي: لن يضروه بشيء. وهكذا كل موضع أشبهه ففيه الوجهان. اهـ.

.تفسير الآية رقم (177):

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بالإيمان لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان قبول نعيم وركب عبد القيس لذلك الجعل الذي هو من أسباب الكفر شرى الكفر بالإيمان عقب بقوله: {إن الذين اشتروا الكفر} أي فأخذوه {بالإيمان} أي فتركوه، وأكد نفي الضرر وأبده فقال: {لن يضروا الله} أي الذي لا كفوء له {شيئًا} لما يريد سبحانه وتعالى من الإعلاء للإسلام وأهله، وختمها بقوله: {ولهم عذاب أليم} لما نالوه من لذة العوض في ذلك الشرى كما هي العادة في كل متجدد من الأرباح والفوائد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنا لو حملنا الآية الأولى على المنافقين واليهود، وحملنا هذه الآية على المرتدين لا يبعد أيضا حمل الآية الأولى على المرتدين، وحمل هذه الآية على اليهود، ومعنى اشتراء الكفر بالإيمان منهم، أنهم كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمنون به قبل مبعثه ويستنصرون به على أعدائهم، فلما بعث كفروا به وتركوا ما كانوا عليه، فكأنهم أعطوا الإيمان وأخذوا الكفر بدلا عنه كما يفعل المشتري من إعطاء شيء وأخذ غيره بدلا عنه، ولا يبعد أيضا حمل هذه الآية على المنافقين، وذلك لأنهم متى كانوا مع المؤمنين أظهروا الإيمان، فإذا خلوا إلى شياطينهم كفروا وتركوا الإيمان، فكان ذلك كأنهم اشتروا الكفر بالإيمان. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أنه تعالى قال في الآية الأولى: {الذين يسارعون في الكفر إنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} [آل عمران: 176] وقال في هذه الآية: {إِنَّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} والفائدة في هذا التكرار أمور:
أحدها: أن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لا شك أنهم كانوا كافرين أولا، ثم آمنوا ثم كفروا بعد ذلك، وهذا يدل على شدة الاضطراب وضعف الرأي وقلة الثبات، ومثل هذا الإنسأن لا خوف منه ولا هيبة له ولا قدرة له ألبتة على إلحاق الضرر بالغير.
وثانيها: أن أمر الدين أهم الأمور وأعظمها، ومثل هذا مما لا يقدم الإنسان فيه على الفعل أو على الترك إلا بعد إمعان النظر وكثرة الفكر، وهؤلاء يقدمون على الفعل أو على الترك في مثل هذا المهم العظيم بأهون الأسباب وأضعف الموجبات، وذلك يدل على قلة عقلهم وشدة حماقتهم، فأمثال هؤلاء لا يلتفت العاقل اليهم.
وثالثها: أن أكثرهم إنما ينازعونك في الدين، لا بناء على الشبهات، بل بناء على الحسد والمنازعة في منصب الدنيا، ومن كان عقله هذا القدر، وهو أنه يبيع بالقليل من الدنيا السعادة العظيمة في الآخرة كان في غاية الحماقة، ومثله لا يقدر في إلحاق الضرر بالغير، فهذا هو الفائدة في إعادة هذه الآية، والله أعلم بمراده. اهـ.

.قال القرطبي:

{لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} كرّر للتأكيد. وقيل: أي من سوء تدبيره استبدال الإيمان بالكفر وبيعه به؛ فلا يخاف جانبَه ولا تدبيره. اهـ.

.قال ابن عاشور:

تكرير لجملة {إنهم لن يضروا الله شيئًا} قصد به، مع التأكيد، إفادةُ هذا الخبر استقلالًا للاهتمام به بعد أن ذكر على وجه التعليل لتسلية الرسول.
وفي اختلاف الصلتين إيماء إلى أنّ مضمون كل صلة منهما هو سبب الخبر الثابت لمَوصُولها، وتأكيد لقوله: {إنهم لن يضروا الله شيئًا} المتقدّم، كقول لبيد:
كدُخان نارٍ سَاطِع أسْنَامُها

بعد قوله:
كدُخان مُشْعَلَةٍ يُشَبّ ضِرامُها

مع زيادة بيان اشتهارهم هم بمضمون الصلة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بالإيمان لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)}.
إنْ أضَرُّوا فما أضروا إلا بأنفسهم، وإنْ أصَرُّوا فما أصَرُّوا إلا على خسرانهم:
فما نحن عذِّبْنَا بِبُعْدِ ديارهم ** ولا نحن ساقتنا إليهم نوازعُ. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان} أي أخذوا الكفر بدلًا من الإيمان رغبة فيما أخذوا وإعراضًا عما تركوا ولهذا وضع {اشتروا} موضع بدلوا فإن الأول أظهر في الرغبة وأدل على سوء الاختيار، وقوله تعالى: {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} تقدم الكلام فيه، وفيه هنا تعريض ظاهر باقتصار الضرر عليهم كأنه قيل: وإنما يضرون أنفسهم، والمراد من الموصول هنا ما أريد منه هناك والتكرير لتقرير الحكم وتأكيده ببيان علته بتغيير عنوان الموضوع فإن ما ذكر في حيز الصلة لكونه علمًا في الخسران الكلي والحرمان الأبدي صريح في لحوق ضرره بأنفسهم وعدم تعديه إلى غيرهم أصلًا، ودال على كمال سخافة عقولهم وركاكة آرائهم فكيف يتأتى منهم ما يتوقف على قوة الحزم ورزانة الرأي ورصانة التدبير من مضارة أولياء الله تعالى الذين تكفل سبحانه لهم بالنصر وهي أعز من جليمة وأمنع من لهاة الليث، وجوز أن يراد بالموصول هنا عام، ويراد به هناك خاص وهو ما عدا ما ذهب إليه الحسن فيه، والجملة مقررة لمضمون ما قبلها تقرير القواعد الكلية لما اندرج تحتها من جزئيات الأحكام، وجوز الزمخشري أن يكون الأول عامًا للكفار وهذا خاصًا بالمنافقين وأفردوا بالذكر لأنهم أشدّ منهم في الضرر والكيد، واعترض بأن إرادة العام هناك مما لا يليق بفخامة شأن التنزيل لما أن صدور المسارعة في الكفر بالمعنى المذكور وكونها مظنة لإيراث الحزن لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يفهم من النهي عنه إنما يتصور ممن علم اتصافه بها وأما من لا يعرف حاله من الكفرة الكائنين في الأماكن البعيدة فإسناد المسارعة المذكورة إليهم واعتبار كونها من مبادئ حزنه عليه الصلاة والسلام مما لا وجه له، ويمكن أن يقال: إن القائل بالعموم في الأول لم يرد بالكفار مقابل المؤمنين حيث كانوا وعلى أي حال وجدوا بل ما يشمل المتخلفين والمرتدين مثلًا ممن يتوقع إضرارهم له صلى الله عليه وسلم وحينئذ لا يرد هذا الاعتراض.
وقيل: المراد من الأول المنافقون أو من ارتدوا مما هنا اليهود، والمراد من الإيمان إما الإيمان الحاصل بالفعل كما هو حال المرتدين أو بالقوة القريبة منه الحاصلة بمشاهدة دلائله في التوراة كما هو شأن اليهود مثلًا، وإما الإيمان الاستعدادي الحاصل بمشاهدة الوحي الناطق والدلائل المنصوبة في الآفاق والأنفس كما هو دأب جميع الكفرة ما عدا ذلك وإما القدر المشترك بين الجميع كما هو دأب الجميع فتفطن.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي مؤلم والجملة مبتدأة مبينة لكمال فظاعة عذابهم بذكر غاية إيلامه بعد ذكر نهاية عظمه، أو مقررة للضرر الذي آذنت به الجملة الأولى قيل: لما جرت العادة باغتباط المشتري بما اشتراه وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة وبتألمه عند كونها خاسرة وصف عذابهم بالإيلام مراعاة لذلك، نقله مولانا شيخ الإسلام. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بالإيمان لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
إنهم لن يضروا الرسول وصحابته لأنهم في معيّة الله، وهم لن يضروا الله، وفي ذلك طمأنة للمُؤمنين، كأن الحق سبحانه وتعالى يقول: أيها المؤمنون بي المصدّقون بمحمد إن المعركة مع الكفر ليست معركة المؤمنين مع الكافرين، ولكنها معركة ربكم مع هؤلاء الكافرين، وفي هذا اطمئنان كبير.
{إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بالإيمان}، والاشتراء صفقة، والصفقة تقتضي ثمنًا ومُثمنًا. والثمن هنا هو الإيمان، لأن الباء تدخل على المتروك، والمثمَن هو الكفر لأنه هو المأخوذ. فهل أخذوا الكفر ودفعوا الإيمان ثمنًا له؟ وهل معنى ذلك أن الإيمان كان موجودًا لديهم؟
نعم كان عندهم الإيمان؛ لأن الإيمان القديم هو إيمان الفطرة وإيمان العهد القديم الذي أخذه الله على الذّر قبل أن توجد في الذّر الأغيار والأهواء: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].
أو على الأقل كان الإيمان والكفر في متناولهم؛ بانضباط قانون الاختيار في النفس البشرية، لكنهم أخذوا الكفر بدل الإيمان. والبدلية واضحة، فقد استبدلوا الكفر بالإيمان، فالباء- كما قلت- دخلت على المتروك. لقد تركوا الإيمان القديم وهو إيمان الذّر، أو تركوا إيمان الفطرة فالحديث الشريف يقول: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجِّسانه».
لقد انسلوا من الإيمان، ودفهوه ثمنا للكفر، فعندما يأخذ واحد الكفر، فهو قد أخذ الكفر بدلًا من الإيمان وهم {لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} لماذا؟ لأننا إن افترضنا أن الدنيا كلها قد آمنت فهذا لن يفيد الله في شيء. والحديث القدسي يقول:
قال الله تعالى: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكُم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخْيَطُ إذا أُدْخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه».
إذن، فلا الإيمان من البشر يزيد الله شيئًا، ولا الكفر ينقص من الله شيئًا؛ لأن الإنسان قد طرأ على ملك الله، ولم يأت الإنسان في ملك الله بشيء زائد، فالإنسان صنعة الله وخلقه من عناصر ملكه- جلت قدرته- ويستمر الحديث في توضيح أنَّ الحق سبحانه لا يعالج شيئًا بيديه فيأخذ منه زمنًا. لا، أنه سبحانه جلّت مشيئته يقول للشيء: كُن؛ فيكون.
وكلمة كُن نفسها هي أقصر أمر. إنّ أمره ألطف وأدق من أن يدركه على حقيقته مخلوق. لكن الحق يأتي لنا بالصورة الخفيفة التي تجعل بشريتنا تفهم الأمر. فالذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضرّو الله شيئًا ولهم عذاب أليم. فهم لن يعيشوا بِنَجْوَةٍ وبُعد عن العذاب، بل سيكون لهم العذاب الأليم.
ونحن نجد أن الحق يقول مرة في وصف مثوى الكافرين أنه عذاب أليم، ومرة أخرى لهم عذاب عظيم ومرة عذاب مهين، لماذا؟
لأن العذاب له جهات متعددة، فقد يُوجد عذابٌ مؤلم، ولكن المُعَّذب يتجلد أمام من يُعذبّه ويُظهر أنه ما زال يملك بقيّة من جَلَد، أنه يتألم لكنه يستكبر على الألم، ولذلك قال الشاعر:
وتجلّدي للشامتين أُريهمو ** أني لِرَيْب الدهر لا أتضعضعُ

فالتجلّد هو نوع من الكبرياء على الواقع. ولذلك يأتي من بعد ذلك قوله الحق أن لأمثال هؤلاء عذابًا مهينًا، أي إنهم سيذوقون الذّل والألم، ولا أحد فيهم يستطيع التجلد. وهذا النوع من العذاب لا يقف فقط عند حدود الألم العادي، ولكنه عذاب عظيم في كمّيته وقدره، وأليم في وقعه. ومهين في إذلال ودكّ النفس البشرية وغُرورها؛ لذلك فعندما نجد أن العذاب الذي أعده الله للكافرين موصوف بأنه عذاب أليم ومرة عذاب عظيم ومرة عذاب مهين فلنعرف أن لكل واحدة معنى، فليست المسألة عبارات تقال هكذا بدون معنى مقصود.
وأريد أن أقف هنا في هذا الحديث عند لام العاقبة لأن البعض يحاول أن يخلق منها إشكالات إنّ هؤلاء المتربصين لكلام الله يحاولون النيل منه، وهم لا يبحثون إلا فيما يتوهّمون- جهلًا- أنه نقاط ضعف، وهو سبحانه وتعالى يقول عن الكفار والعياذ بالله وهم في النار: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ أنه كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون: 107-110].
لقد انشغل الكفار بالسّخرية من أهل الإيمان بإشارات أو لمزٍ وغمزٍ أو اتهام بالرجعية أو الدروشة أو مثل ذلك من ألوان السّخرية، لدرجة أنهم نسوا مسألة الإيمان، فما الذي أنساهم ذكر الله؟ لقد أنساهم ذكر الله انشغالهم بالسّخرية من أهل الإيمان.
لقد قضى الكفار وقتهم كله للسّخرية من أهل الإيمان حتى نسوا ولم يتذكروا أن هناك خالقا للكون. وهذا ما يسمى غاية العاقبة وليست غاية وعلة للإرادة، لأنهم لم يريدوا نسيان ذكر الله ولكن أمرهم انتهى إلى ذلك.
وسيُعذّب الله الكافرين عذابًا أليمًا وعظيمًا ومُهينًا. ولكل وصف مراده في النص حتى يستوعب كل حالات الإهانة من إيلام، فالذي لا يألم بشيء صغير ولا يتحمل الألم القوي سيجد الألم الكبير، وكذلك الذي يتجلد على الألم العظيم، سيجد الألم المهين. اهـ.